وعد بلفور
إذا وقفنا أمام الوعد المشؤوم الذي أصدرته بريطانيا في الثاني من نوفمبر عام 1917، فإنه يمثل انعطافة حادة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وما يحدث الآن في فلسطين على أيدي حكومات إسرائيل المتعاقبة هو نتيجة هذا الوعد، ونتيجة غض البصر من دول العالم لِما قامت به حكومات إسرائيل، وما يقوم به شارون تجاه الشعب الفلسطيني الآن، حتى أنني أجزم بأن ما حدث للعالم من هزّات اقتصادية، جاء نتيجة الصمت العالمي تجاه ما تقوم به إسرائيل في المنطقة ضد الشعب الفلسطيني، بل وزيادة بأن الخسائر المتلاحقة للشركات العامة، والسندات، والأسهم أضعاف
مضاعفة لِما خسره الشعب الفلسطيني خلال ثلاثة عشر شهراً، فهل فطن العالم لِما يجرى على الساحة الفلسطينية؟.
لقد ظنّ العالم بأن منح اليهود وطن قومي لهم في أرض فلسطين يمثل قمّة الإنسانية لهذا الشعب المشتت هنا وهناك، والذي لا تحكمه ثوابت أو رؤى أو فكر ثابت أو منهجيه، وأن هذا التصرف يمثل رؤية استراتيجية في الاتجاه الصحيح، وبدأ اليهود بمساعدة جميع الدول الغربية بالوفود إلى إسرائيل برّاً وبحراً وجواً، حتى تمكنوا من الأرض بمساعدة (بريطانيا) من أجل التخلص منهم لسوء سلوكهم في أماكن تواجدهم، وهكذا صدر الوعد بمنح اليهود وطن قومي لهم في فلسطين، وتحول المنح إلى قرار ودولة مع مرور الزمن، وأصبحوا يملكون من الأرض 78 / وأصبح عددهم في فلسطين وحدها قرابة 4 مليون نسمة بعد أن كانوا 3 آلاف يهودي فقط عام 1916 ، وبدأ اليهود يظهرون وجههم الحقيقي مع الدول التي منحتهم هذا الحق، وتحولت علاقاتهم الاستراتيجية مع الدول إلى علاقة مصالح مشتركة، حتى أنهم وقفوا كثيراً في وجه سياسات مَن منحهم الأرض، ومَن ساعدهم، ونذكر أخيراً رفض شارون ما يطلبه رؤساء أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكثير من الدول الصديقة، مما سبب لهم الكثير من الحرج مع الدول العربية والإسلامية، وما تلك النعوت التي ألصقها شارون بالولايات المتحدة الأمريكية، إلا حلقة أخيرة في سلسلة الحرج الذي تسببه السياسة الإسرائيلية لأمريكا في العالم.
وقد كان هذا القرار المجحف خطيئة ارتكبتها بريطانيا في ذلك الوقت، لأنها شتتت شعباً هو صاحب الحق في هذه الأرض، أما آن الأوان لاستفاقة متأخرة من العالم؟!
وبدأ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يأخذ منحى يختلف حسب طبيعة المرحلة، إلى أن جاء قرار التقسيم الأممي المجحف في 29/11/1947 بتقسيم فلسطين ، ليأخذ الصراع وجهاً جديداً، ولتتحول القضية برمتها إلى أروقة الساسة والسياسيين، والأمم المتحدة والجامعة العربية، ومقررات القمم العربية، علماً بأن القضية الفلسطينية
لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام نتيجة مباحثات سياسية، ونحن الآن في فترة ضعف واستكانة تامة، لذا نحتاج إما لقوة دفع سياسية وهي موجودة بقوة في رصيدنا العربي والإسلامي، أو قوة دفع عسكرية مشتركة عربية وإسلامية تجبر سياسي العالم على الأخذ بمبدأ المبادرة لحل هذا الصراع، وهذه ليست دعوة للمواجهة بقدر ما هي دعوة للخروج من عنق الزجاجة السياسي، والتاريخ شاهد على ذلك، فاليهود عندما يستشعرون بخطر المقاومة الفلسطينية أو قوة الدفع العربية والإسلامية، يطلبون من بعض الدول تقديم بعض المقترحات من أجل تهدئة الأمور لصالحهم، وما المبادرة المصرية الأردنية المشتركة، ومشروع ما يُسمى" تنت" ومقررات " متشل" وتعيين السفير الأمريكي في الأردن مبعوثاً خاصاً، وعودة " روس" ومبعوثو الاتحاد الأوروبي، وزيارة الأمين العام للأمم المتحدة، والقائمة تطول، إلا دليلاً واضحاً على ما نقول. والسؤال الآن إلى كل هؤلاء لماذا لا تتحركون عندما تشهدون ما يحدث للشعب الفلسطيني من إبادة للحياة بكل معناها؟
إن وعد بلفور بما حمل من مآسي للشعب الفلسطيني، نتيجة قرار ظالم من بريطانيا والدول العظمى آنذاك، مازالت آثاره إلى اليوم، قتل وهدم وتشريد، وإبادة وإنهاك، وحصار وتجويع، وهو أخطر من الحرب النووية، لهذا يمكن للدول التي قدّمت المساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية والمنح والقروض والتي ذهبت أدراج الرياح بفعل التدمير الذي لحق بالبنية التحتية الفلسطينية أن يساهم في إيقاف العنف الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، ألا يكفي أن الدول منحت اليهود أرض الشعب الفلسطيني، وسلبت هذا الحق من أصحاب الحق؟! ألا يجب على الدول المانحة أن
تراجع سياساتها تجاه ما تقوم به إسرائيل؟ إننا اليوم لا نريد وعد الرئيس الأمريكي "بوش" للفلسطينيين فقط، بل نريد حق الفلسطينيين في الأرض والعيش بأمان وسلام.
وفي الثاني والعشرين من شهر نوفمبر عام 1967 أصدر مجلس الأمن قراراً ( غير ملزم) بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلها بعد حرب يونيو 1967، ومازال القرار بعد أربع وثلاثين عاما ينتظر التنفيذ، علماً بأن هناك قرارات صدرت منذ أيام والتزمت بها الدول التزاماً لا حيد عنه! فلماذا إذن يتم تنفيذ قرارٍ على دولٍ، بينما مازالت إسرائيل تريد تفصيل طبيعة القرار حسب ما ترتئيه، أو حسب ما تراه مناسباً لها.