يمثل النمل 20% من
الكائنات الحية على كوكب الأرض، منه من يعيش عمره تحت الأرض، وآخر يعيش فوقها أو
بين الأشجار، وقد تجده في سهول القطب الشمالي أو حتى عند خط
الاستواء.
ويعرف عن النمل أيضاً
أنه مخلوق يتحلى بصفات جليلة أهمها التضحية والشجاعة والتعاون، وأنه يضع مصلحة
الجماعة فوق كل اعتبار، كما أنه يطبق المساواة بين أفراد جماعته دون استثناء، لكن
بحثاً جديداً زعم عكس ذلك، وجرد النمل من الصورة المثالية المرسومة في أذهاننا،
وألمح إلى وجود أشكال للفساد في تلك المجتمعات، والتي تمثلت في لجوء بعض حشرات
النمل إلى “الغش”، لتحقيق “مآرب شخصية” كالحصول على لقب “ملكة” والوصول إلى
“الحكم”.
وأوضح الدكتور بيل هيوز
من مدرسة العلوم الحياتية في جامعة ليدز البريطانية، وعضو فريق البحث، أن دراسة
أجريت مؤخراً على عدد من مستعمرات النمل، نقضت ما كان يشيع بين المختصين، حول تساو
الفرص بين يرقات النمل، في تحول أي منها إلى ملكة، إذ كان ُيعتقد بأن نوعية الغذاء
الذي تحصل عليه اليرقة، هو العامل الأهم الذي يحدد ما إذا كانت ستتحول إلى ملكة أو
عاملة “شغالة”، مما يعني أن جميع بيوض النمل تملك فرصاً متساوية للوصول إلى
“الحكم”.
واكتشفت دراسة أجريت من
قبل فريق من الباحثين في جامعة ليدز البريطانية، وبمعاونة آخرين من جامعة كوبنهاجن،
والتي تضمنت إجراء تحليل للحمض النووي “دي. إن. إيه” لخمس من مستعمرات النمل “قاطع
الورق”، أن التركيبة الجينية تلعب دوراً في زيادة فرصة اليرقة للدخول إلى عالم
الملكات.
وطبقاً للدراسة التي
ُنشرت نتائجها في دورية الأكاديمية الأمريكية للعلوم في الولايات المتحدة
الأمريكية”، فإن بعض ذكور النمل قد تورث جينات “ملكية” لعدد من أفراد سلالتها،
لزيادة فرصهن في التحول إلى ملكات دون الأخريات، وفي غفلة من النملات العاملات
“الشغالات” القائمات على تغذية اليرقات، تتحول اليرقة صاحبة “البصمة” الجينية
الملكية إلى الحاكمة الجديدة.
حياة النمل.. أسرار
ومفاجآت
وعن الحياة الخاصة
للنمل، أكدت الأبحاث أن هذا المخلوق يعتبر من أطول الحشرات عمرًا على الأرض، لأنه
يعيش من بضعة أشهر إلى عدة سنوات وقد يصل عمر الملكة إلى 20 عامًا، أما ذكور النمل
فعملها محصور في التزاوج فقط في تلقيح الملكة، فحينما تقرر الملكة التزاوج يأتي
واجبها وبعد ذلك تموت الذكور مباشرة، فأثناء عملية التزاوج تطرح الملكة أجنحتها،
وتفرز رائحة تميز رائحة المستعمرة.
وهذه الحشرة اجتماعية
جدا ولايمكنها العيش بصورة منفردة، حيث أنها تعيش في مجاميع أو أعشاش أو
مستعمرات.
وأعشاش النمل ليست واحدة
لجميع أنواع النمل، فمثلاً نمل المحاصيل يبني حجرات متصلة تحت الأرض، بينما يشبك
النمل الخياط أوراق الشجر ويصنع عشا أخضر أسطواني الشكل، وهناك أعشاش
أخرى للنمل قد تكون على شكل حجرات داخل الأشجار مثلما يفعل النمل الحفار، وأعشاش
النمل تحت الأرض قد تبلغ أربعين قدما عمقا تحت الأرض، فقد تمكن فريق من العلماء
الأوروبيين من اكتشاف مستعمرة هائلة للنمل تمتد لآلاف الأميال من إيطاليا إلى شمال
غرب إسبانيا.
وتعداد النمل في العش أو
المستعمرة قد يصل إلى عشرات ملايين.. فبيت النمل مقسم، ففيه حجرات للصغار، وهناك
حجرة خاصة للملكة، وحجرات تستخدم كمخازن للطعام، والنمل مقسم إلى مجاميع لكل منها
واجبه الخاص والمحدد، فمنها من هو مسؤول عن الحراسة ومنها من هو مسؤول عن التنظيف
ومنها من هو مسؤول عن الفلاحة ومنه الفرسان ومنها الكسولة، ويجب عدم الإستغراب إن
قلنا بأن مجتمع النمل فاق بنجاحه مجتمع البشر بطريقة أو أخرى.
وفي بحث أجرى مؤخرا،
أثبت العلماء أن مخلوقات النمل تضرب أروع الأمثلة في التضحية والتفاني من أجل
الآخرين، حيث أفاد باحثان بريطانيان بأن أسراب النمل حين يعتريها السأم من الحفر في
مسارها، تضحي بالبعض منها في سبيل الباقين، حيث يعمد بعضها إلى التمدد داخل النقاط
غير المستوية لصنع مسار أكثر انسيابية لباقي السرب.
وتوصل الباحثان إلى أن
نوعاً من النمل يعيش في أمريكا الوسطى والجنوبية يختار أفرادا من السرب يناسب حجم
أجسادها حجم الحفرة المراد سدها.
وذكرا في تقرير نشرته
“مجلة السلوك الحيواني” أنه ربما تكاتف عدد من أعضاء السرب لملء الحفرة
الأكبر.
ودرس الباحثان سكوت باول
ونايجل فرانكس من جامعة بريستول نوعاً من النمل يسمى ايسيتون بيرتشيلي يسير عبر
غابات أمريكا الوسطى والجنوبية في أسراب تضم ما يصل إلى 200 ألف
نملة.
ودائما ما يبقى السرب
على صلة بالمستعمرة من خلال طابور طويل من النمل، لكن هذا الطابور الطويل من النمل
الحي قد يضطرب بشدة حين يمر أفراده فوق أوراق الشجر والأغصان المتناثرة على أرض
الغابات، ومن ثم يعمد عدد قليل من النمل الى ملء الفجوات ليصنع مسارا
سلسا.
وقال نايجل فرانكس
“النمل له طريقته التي يعتمد فيها على نفسه لاصلاح الطرق”، وأضاف “عندما يعبر السرب
تتسلق النملات التي ملأت الفجوات إلى خارج تلك الحفرة وتتبع زملاءها عائدة إلى
المستعمرة”.. “بصفة عامة يظهر بحثنا أن سلوكا بسيطا تؤديه بكثير من الاتقان قلة من
شغالات النمل يمكن أن يحسن من أداء الأغلبية بما يؤدي الى فائدة تعم المستعمرة
ككل”.